كيف أساعد طفلي في التعامل مع المتنمرين؟

في عالم يشهد تزايداً مستمراً في التحديات الاجتماعية والنفسية، يمثل التنمر أحد أخطر الظواهر التي قد تواجه الأطفال والمراهقين في المدرسة، والحي، وحتى في الفضاء الرقمي. ومع تزايد الوعي بخطورة هذه الظاهرة على الصحة النفسية للطفل وسلوكه العام، بات من الضروري أن يلعب الوالدان دوراً محورياً في مساعدة أطفالهم على التعرف على التنمر، فهم أبعاده، وتعلم طرق فعالة للتعامل معه دون أن يُصابوا بأذى نفسي أو سلوكي.

أولاً: فهم التنمر وأنواعه

التنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إيذاء الطرف الآخر جسديًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا. لا يقتصر على الضرب أو الإيذاء الجسدي فقط، بل يمتد ليشمل الألفاظ الجارحة، التخويف، الإقصاء الاجتماعي، السخرية المستمرة، ونشر الشائعات، سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أبرز أنواع التنمر:

ثانياً: العلامات التي تدل على تعرض الطفل للتنمر

أحد أكبر التحديات التي يواجهها الأهل هي أن الأطفال لا يفصحون غالباً عن تعرضهم للتنمر، إما خوفاً أو خجلاً أو لعدم قدرتهم على التعبير. ومع ذلك، هناك إشارات سلوكية ونفسية وجسدية قد تكشف ما يعجز الطفل عن قوله لفظاً:

• تراجع مفاجئ في الأداء الدراسي أو رفض الذهاب إلى المدرسة.

• اضطرابات النوم، كالأرق أو الكوابيس المتكررة.

• فقدان الشهية أو تغيرات غير مبررة في الوزن.

• ظهور كدمات أو جروح متكررة بدون تفسير منطقي.

• العزلة الاجتماعية، والامتناع عن التفاعل مع الأصدقاء أو العائلة.

• تغيرات مزاجية مثل الاكتئاب، الغضب المفاجئ، أو البكاء بدون سبب واضح.

ثالثاً: دور الأهل في تعزيز ثقة الطفل بنفسه

الثقة بالنفس هي أول خطوط الدفاع في وجه التنمر. الطفل الذي يشعر بأنه محبوب، آمن، ومقبول في بيئته الأسرية يكون أكثر قدرة على مواجهة المعتدين ورفض الممارسات المؤذية. ومن هنا، يجب على الأهل:

• تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره بحرية دون خوف من العقاب أو التوبيخ.

• الثناء على إنجازاته مهما كانت بسيطة، مما يعزز شعوره بالقيمة.

• تخصيص وقت يومي للحوار معه والاستماع إلى تفاصيل يومه.

• تعزيز صورة إيجابية عن الذات لديه عبر تذكيره بصفاته الجيدة ومواهبه.

رابعاً: تعليم الطفل مهارات المواجهة السلمية

مواجهة التنمر لا تعني الرد بالعنف أو الانتقام، بل تعني امتلاك القدرة على التصرف الحكيم الذي يحمي كرامة الطفل دون الانجرار لمزيد من التصعيد. يمكن تدريب الطفل على عدة استراتيجيات فعالة:

• تجاهل الشخص المتنمر في البداية، لأن بعض المتنمرين يتغذون على ردود الفعل.

• استخدام الردود الحازمة والواضحة مثل: “توقف عن ذلك، لا يعجبني ما تقوله”.

• الابتعاد عن الأماكن التي يكثر فيها التنمر مثل الزوايا المعزولة في المدرسة.

• التوجه إلى معلم أو مشرف في المدرسة وطلب المساعدة دون خجل.

• استخدام لغة الجسد القوية (مثل الوقوف بشكل مستقيم والنظر في العينين) لتقوية موقفه.

خامساً: أهمية بناء بيئة مدرسية داعمة

تلعب المدرسة دوراً كبيراً في كبح ظاهرة التنمر أو تأجيجها. على أولياء الأمور التواصل المستمر مع المعلمين والإدارة لمتابعة سلوك الطفل داخل المؤسسة التعليمية، وطلب تدخل واضح إن ثبت وجود حالات تنمر متكررة.

يجب أن يتم التعاون بين المدرسة والبيت لوضع سياسات واضحة لمكافحة التنمر تشمل:

• ورشات تدريبية للطلاب حول احترام الآخر والتعاطف.

• تدريب المعلمين على رصد مظاهر التنمر مبكرًا والتعامل معها بفعالية.

• تشجيع ثقافة التبليغ الآمن عن حالات التنمر دون خوف من الانتقام.

• خلق مساحات آمنة للطلاب يتحدثون فيها عن تجاربهم وقلقهم.

سادساً: التأثير النفسي العميق للتنمر على الطفل

لا يمكن التقليل من الأثر العميق الذي يتركه التنمر في نفسية الطفل. فالطفل الذي يتعرض للتنمر بشكل متكرر قد يعاني من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، انخفاض في تقدير الذات، القلق المزمن، الاكتئاب، وقد تتطور حالته إلى الرغبة في إيذاء النفس أو حتى التفكير في الانتحار في الحالات القصوى.

لهذا، فإن أي إشارة إلى تغير نفسي حاد عند الطفل يجب أن تُقابل بالاهتمام الفوري، وقد تستدعي تدخل أخصائي نفسي لمساعدته على تجاوز الصدمة، وإعادة بناء ثقته بنفسه والعالم من حوله.

سابعاً: دور القصص والأمثلة الواقعية في التوعية

القصص وسيلة فعالة لغرس المفاهيم في ذهن الطفل. يمكن للوالدين سرد حكايات لأطفال قاوموا التنمر واستطاعوا تجاوزه، مما يمنح الطفل شعوراً بالأمل ويعزز قدرته على رؤية أن التنمر لا يحدد من هو، وأن بإمكانه تجاوزه بقوة الشخصية والدعم.

كما يمكن مشاهدة أفلام أو رسوم متحركة موجهة للأطفال تسلط الضوء على قضية التنمر، وتناقشها بلغة مبسطة ومحببة للطفل.

ثامناً: المتنمرون أيضاً يحتاجون للمساعدة

من المهم فهم أن الأطفال الذين يمارسون التنمر ليسوا بالضرورة “أشراراً”، بل هم في الغالب يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية في بيئتهم المنزلية، أو أنهم ضحايا للعنف بأنواعه. التوعية بهذه النقطة تسهم في غرس قيم التسامح وعدم الكراهية في الطفل، وتبعده عن دوامة الانتقام.

ينبغي أن تكون هناك سياسات تأهيلية للأطفال المتنمرين، تشمل جلسات إرشاد نفسي، ودمجهم في برامج تعليمية حول الذكاء العاطفي واحترام الآخر.

تاسعاً: استخدام التكنولوجيا لمحاربة التنمر الإلكتروني

في العصر الرقمي، انتقل التنمر إلى العالم الافتراضي، وأصبح أكثر خبثًا وأشد تأثيرًا، إذ يتم في الخفاء ويصل إلى عدد كبير من الأشخاص في وقت قياسي.

لحماية الطفل من هذا النوع الخطير من التنمر، يجب على الأهل:

• مراقبة استخدام الطفل للإنترنت بطريقة غير متسلطة.

• تثقيف الطفل حول مخاطر مشاركة الصور أو المعلومات الشخصية.

• تشجيعه على حظر المتنمرين والإبلاغ عنهم في المنصات الرقمية.

• استخدام برامج رقابة أبوية لتنظيم الوقت والمحتوى الإلكتروني.

عاشراً: إشراك الطفل في أنشطة تعزز الشعور بالانتماء

الطفل الذي يشعر بالانتماء إلى مجموعة، ويملك شبكة دعم من الأصدقاء، يكون أقل عرضة للوقوع فريسة سهلة للمتنمرين. ولهذا، فإن إشراك الطفل في أنشطة رياضية، ثقافية، أو تطوعية تتيح له بناء علاقات صحية ومتوازنة، كما تمنحه فرصًا لتفريغ طاقاته بطريقة إيجابية.

الحادي عشر: الدور المجتمعي في مكافحة التنمر

لا يكفي أن يكون التصدي للتنمر مسؤولية فردية تقع على عاتق الأهل فقط، بل يجب أن تتحول إلى مسؤولية جماعية تشمل المدرسة، المؤسسات الدينية، مراكز الشباب، وسائل الإعلام، والمجتمع ككل.

توعية المجتمع بخطورة التنمر وآثاره تساهم في خلق مناخ عام من الرفض الاجتماعي لهذه الظاهرة، مما يقلل من احتمالية حدوثها أو التساهل معها.

الثاني عشر: متى يكون التدخل المهني ضرورياً؟

في بعض الحالات، لا يكفي الدعم الأسري أو التربوي، ويصبح من الضروري اللجوء إلى مختصين في الصحة النفسية. ومن هذه الحالات:

• إذا ظهرت على الطفل أعراض الاكتئاب أو اضطرابات القلق.

• إذا توقف عن تناول الطعام أو النوم لفترات طويلة.

• إذا أبدى ميولًا إلى إيذاء نفسه أو تحدث عن فقدان الرغبة في الحياة.

• إذا تكرر التنمر رغم اتخاذ كل التدابير الوقائية.

في هذه الحالات، يجب أن يتم التوجه إلى معالج نفسي مختص في سلوكيات الطفولة والمراهقة، لتقديم الدعم العلاجي المناسب.

الثالث عشر: بناء مستقبل أكثر أماناً لأطفالنا

التنمر ليس ظاهرة بسيطة يمكن تجاهلها، بل هو جرح نفسي يتسلل إلى أعماق الطفل وقد يمتد أثره لعقود. ولذا، فإن بناء بيئة صحية داعمة للطفل، تعزز ثقته بنفسه، وتمنحه الأدوات اللازمة للتعامل مع المواقف الصعبة، يعد استثماراً طويل الأمد في صحته النفسية والاجتماعية.

إن التربية الواعية، القائمة على الاحترام، الحوار، والدعم، يمكنها أن تنتج جيلاً أقوى نفسياً، أقل عرضة للضغوط، وأكثر قدرة على بناء علاقات سليمة وآمنة.

المراجع

1. Olweus, D. (1993). Bullying at school: What we know and what we can do. Wiley-Blackwell.

2. American Psychological Association. (2022). Bullying. Retrieved from https://www.apa.org/topics/bullying